سورة الكهف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ سنين} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {ثلاثمائةٍ سنين} منوَّناً. وقرأ حمزة، والكسائي: {ثلاثمائةِ سنين} مضافاً غير منوَّن. قال أبو علي: العدد المضاف إِلى الآحاد قد جاء مضافاً إِلى الجميع، قال الشاعر:
ومَا زَوَّدُوني غير سَحْقِ عِمامةٍ *** وَخَمْسِمِئ منها قَسِيٌّ وزائفُ
وفي هذا الكلام قولان:
أحدهما: أنه حكاية عما قال الناس في حقهم، وليس بمقدار لبثهم، قاله ابن عباس، واستدل عليه فقال: لو كانوا لبثوا ذلك، لما قال: {الله أعلم بما لبثوا}، وكذلك قال قتادة، وهذا قول أهل الكتاب.
والثاني: أنه مقدار ما لبثوا، قاله عبيد بن عمير، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد؛ والمعنى: لبثوا هذا القدر من يوم دخلوه إِلى أن بعثهم الله وأطلع الخلق عليهم.
قوله تعالى: {سنين} قال الفراء، وأبو عبيدة، والكسائي، والزجاج: التقدير: سنين ثلاثمائة. وقال ابن قتيبة: المعنى: أنها لم تكن شهوراً ولا أيّاماً، وإِنما كانت سنين. وقال أبو علي الفارسي: {سنين} بدل من قوله: {ثلاثمائة}. قال الضحاك: نزلت: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ} فقالوا: أياماً، أو شهوراً، أو سنين؟ فنزلت: {سنين} فلذلك قال: {سنين}، ولم يقل: سنة. قوله تعالى: {وازدادوا تسعاً} يعني: تسع سنين، فاستغنى عن ذِكْر السنين بما تقدَّم من ذِكْرها. ثم أعلمَ أنه أعلمُ بقدْر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: {قل الله أعلم بما لبثوا} قال ابن السائب: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة، فقد عرفناها، وأما التسع، فلا عِلْم لنا بها، فنزل قوله تعالى: {قل الله أعلم بما لبثوا} وقيل: إِن أهل الكتاب قالوا: إِن للفتية منذ دخلوا الكهف إِلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد الله تعالى عليهم ذلك، وقال: {قل الله أعلم بما لبثوا} بعد أن قبض أرواحهم إِلى يومكم هذا، لا يعلم ذلك غيرُ الله. وقيل: إِنما زاد التسع، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {أَبصِرْ به وأَسمِعْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه على مذهب التعجب، فالمعنى: ما أسمع الله به وأبصر، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم، هذا قول الزجاج، وذكر أنه إِجماع العلماء.
والثاني: أنه في معنى الأمر، فالمعنى: أَبصِر بِدِين الله وأَسمِع، أي: بصّر بهدى الله وسمِّع، فترجع الهاء إِما على الهدى، وإِما على الله عز وجل، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: {ما لهم من دونه} أي: ليس لأهل السموات والأرض من دون الله من ناصر، {ولا يُشرِك في حكمه أحداً} ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكاً لله عز وجل في حكمه. وقرأ ابن عامر: {ولا تُشرِكْ} جزماً بالتاء، والمعنى: لا تشرك أيها الإِنسان.


قوله تعالى: {واتل ما أُوحي إِليك} في هذه التلاوة قولان:
أحدهما: أنها بمعنى القراءة.
والثاني: بمعنى الاتِّباع. فيكون المعنى على الأول: اقرأ القرآن، وعلى الثاني: اتَّبِعْه واعمل به. وقد شرحنا في [الأنعام: 115] معنى {لا مبدِّل لكلماته}.
قوله تعالى: {ولن تجد من دونه ملتحداً} قال مجاهد، والفراء: مَلجَأً. وقال الزجاج: مَعْدِلاً عن أمره ونهيه. وقال غيرهم: موضعاً تميل إِليه في الالتجاء.
قوله تعالى: {واصبر نفسك} سبب نزولها أن المؤلَّفة قلوبُهم جاؤوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول الله: لو أنك جلست في صدر المجلس، ونحَّيت هؤلاء عنّا، يعنون سلمانَ وأبا ذَرٍّ وفقراءَ المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف جلسنا إِليك، وأخذنا عنك، فنزلت هذه الآية إِلى قوله: {إِنا أعتدنا للظالمين ناراً}، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم، حتى إِذا أصابهم في مؤخَّر المسجد يذكرون الله، قال: «الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمَّتي، معكم المحيا ومعكم الممات» هذا قول سلمان الفارسي. ومعنى قوله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} أي: احبسها معهم على أداء الصلوات {بالغداة والعشي}. وقد فسرنا هذه الآية في [الأنعام: 52] إِلى قوله تعالى: {ولا تعد عيناك عنهم} أي: لا تصرف بصرك إِلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف؛ وكان عليه السلام حريصاً على إِيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم، ولم يكن مريداً لزينة الدنيا قطُّ، فأُمر أن يجعل إِقباله على فقراء المؤمنين.
قوله تعالى: {ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذِكْرنا} سبب نزولها أن أُمية بن خلف الجمحي، دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إِلى طرد الفقراء عنه، وتقريبِ صناديد أهل مكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس. وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو عيينة وأشباهه. ومعنى {أغفلنا قلبه}: جعلناه غافلاً. وقرأ أبو مجلز: {من أغفلَنا} بفتح اللام، ورفع باء القلب. {عن ذِكْرنا}: عن التوحيد والقرآن والإِسلام، {واتبع هواه} في الشّرك. {وكان أمره فُرُطاً} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه أفرط في قوله، لأنه قال: إِنّا رؤوس مضر، وإِن نُسلِم يُسلم الناس بعدنا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: ضيَاعاً، قاله مجاهد. وقال أبو عبيدة: سَرَفاً وتضييعاً.
والثالث: نَدَماً، حكاه ابن قتيبة عن أبي عبيدة.
والرابع: كان أمره التفريط، والتفريط: تقديم العجز، قاله الزجاج.


قوله تعالى: {وقل الحقِ مِنْ ربِّكم} قال الزجاج: المعنى: وقل الذي أتيتكم به، الحقُّ من ربِّكم.
قوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فمن شاء الله فليؤمن، روي عن ابن عباس.
والثاني: أنه وعيد وإِنذار، وليس بأمر، قاله الزجاج.
والثالث: أن معناه: لا تنفعون الله بإيمانكم، ولا تضرُونه بكفركم، قاله الماوردي. وقال بعضهم: هذا إِظهار للغنى، لا إِطلاق في الكفر.
قوله تعالى: {إِنا أعتدنا} أي: هيَّأنا، وأعددنا، وقد شرحناه في قوله: {وأعتدتْ لهن متَّكأً} [يوسف 31]. فأما الظالمون، فقال المفسرون: هم الكافرون. وأما السُّرادِق، فقال الزجاج: السُّرادِق: كلُّ ما أحاط بشيء، نحو الشُّقَّة في المِضْرَب، أو الحائط المشتمل على الشيء. وقال ابن قتيبة: السُّرادِق: الحُجرة التي تكون حول الفسطاط. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السُّرادق فارسي معرَّب، وأصله بالفارسية سَرَادَارْ، وهو الدِّهليز، قال الفرزدق:
تَمَنَّيْتَهُمْ حتى إِذا ما لَقِيتَهم *** تَركتَ لهم قبلَ الضِّراب السُّرَادِقا
وفي المراد بهذا السُّرادق قولان:
أحدهما: أنه سُرادق من نار، قاله ابن عباس. روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لِسُرادِق النار أربعةُ جُدُرٍ كُثُفٌ، كلُّ جدار منها مسيرة أربعين سنة» وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس، قال: السرادق: لسان من النار، يخرج من النار فيحيط بهم حتى يفرغ من حسابهم.
والثاني: أنه دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الظِّل ذو ثلاث شعب الذي ذكره الله تعالى في [المرسلات: 30]، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {وإِن يستغيثوا} أي: مما هم فيه من العذاب وشدة العطش {يُغاثوا بماءٍ كالمُهل} وفيه سبعة أقوال.
أحدها: أنه ماءٌ غليظٌ كدُرْدِيِّ الزيت، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنه كل شيء أذيب حتى انماع، قاله ابن مسعود. وقال أبو عبيدة، والزجّاج: كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص أو نحو ذلك، فهول مُهل.
والثالث: قيح ودم أسود كعكر الزيت، قاله مجاهد.
والرابع: أنه الفضة والرصاص يذابان، روي عن مجاهد أيضاً.
والخامس: أنه الذي انتهى حَرُّه، قاله سعيد بن جبير.
والسادس: أنه الصَّديد، ذكره ابن الأنباري. قال مُغيث بن سُمي: هذا الماء هو ما يسيل من عَرَق أهل الموقف في الآخرة وبكائهم، وما يجري منهم من دم وقيح، يسيل ذلك إِلى وادٍ في جهنم، فتطبخه جهنم، فيكون أول ما يُغاث به أهل النار.
والسابع: أنه الرماد الذي يُنفض عن الخُبزة إِذا خرجت من التَّنُّور، حكاه ابن الأنباري.
قوله تعالى: {يشوي الوجوه} قال المفسرون: إِذا قرَّبه إِليه سقطت فروة وجهه فيه. ثم ذمَّه، فقال: {بئس الشراب وساءت} النار {مُرْتَفَقاً} وفيه خمسة أقوال.
أحدها: منزلاً، قاله ابن عباس. والثاني: مجتمعاً، قاله مجاهد. والثالث: متَّكأً، قاله أبو عبيدة، وأنشد لأبي ذؤيب:
إِني أرِقْت فبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقاً *** كأنَّ عَيْنِيَ فِيها الصَّابُ مَذْبُوحُ
وذبحه: انفجاره؛ قال الزجاج: مرتفقاً منصوب على التمييز؛ ومعنى مرتفقاً: متَّكأً على المِرفق.
والرابع: ساءت مجلساً؛ قاله ابن قتيبة.
والخامس: ساءت مطلباً للرفق، لأن من طلب رِفقاً من جهتها، عَدِمه، ذكره ابن الأنباري. ومعاني هذه الأقوال تتقارب. وأصل المِرفق في اللغة: ما يُرتَفق به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8